ضروب العشق بقلم ندي محمود توفيق
المحتويات
مع الوقت ! وكان يطلب من شقيقته أن تأخذها ويخرجوا للتسوق أو التنزه مع بعضهم لعلها تخرج من حالتها المزاجية الكئيبة وكانت رفيف من أشد المرحبين بهذه الفكرة فهي أحبت شفق كثيرا وأحستها كأخت لها خصوصا مع تقارب سنهم الذي لا يتخطي السنة وفي ذلك الشهر تقاربت علاقتهم كثيرا واصبحوا أصدقاء والمتضرر الأكبر من كل هذا كانت شفق ! ومعاناتها تزداد يوم بعد يوم والنقطة الصغيرة في قلبها تجاه ذلك الكرم تنمو كل يوم أكثر من سابقه تخشي أن
أنه معاده كل يوم والباب يدق في الوقت المحدد كما اعتادت عليه منذ ما يقارب الشهرين فوضعت حجابها على شعرها ولفته بانتظام ثم خرجت وفتحت فقطبت حاجبيها باستغراب وهي ترى رفيف تقف أمامها وترتدي رداء يناسب السهرات والحفلات المسائية كانت رائعة وفائقة الجمال به .
دخلت رفيف واغلقت الباب وهي تقول بعجلة من أمرها
يلا يلا ادخلي البسي عشان هتاجي معايا وهتحضري فرح حسن وكتب كتاب زين وخلاص كتب الكتاب بعد العشاء يعني يدوب تلحقي تلبسي وده مش اختياري في أوامر صدرت بكدا !
قالت آخر كلماتها غامزة بلؤم فزداد تعجبها وقد اصابتها الدهشة من دخولها عليها المفاجئ وهي تطلب منها حضور عرس اخويها
أوامر إيه دي !
قالت رفيف باسمة بنظرات ماكرة
كرم هو اللي جابني
وقالي اطلع اقولك تلبسي عشان تاجي معانا ومستنينا تحت بالعربية يلا بقى
تجمدت الډماء في عروقها وتسارعت انفاسها تلقائيا حين قالت بأنه هو الذي يرغب في حضورها ولكنها لملمت أشلاءها التي بعثرت بمجرد نطق اسمه أمامها وهتفت متلعثمة في توتر
ياستي وهو حد قالك اقلعيه ولا اتزيني وحطي مكياج والبسي فستان تعالي بهدومك السودا احنا عايزينك تحضري معانا عشان تفكي شوية وتفرفشي
تنفست الصعداء بعدم حيلة ثم اتجهت نحو غرفة والدتها لتأخذ الأذن منها وترى رأيها هل توافق أم لا فتجدها تبتسم لها باتساع وتومىء لها برأسها بالموافقة ثم
جالست المرأة المړيضة وأخذت تتحدث معها عبر كتباتها التي تكتبها على الورقة فلم تستعد صوتها حتى الآن . كتبت لها على ملاحظة صغيرة عبارة كرم ليه مطلعش معاكي أجابتها رفيف مبتسمة في حنو
ابتسمت ودونت على الورقة كالآتي تعرفي هو اللي مصبرني على اللي أنا فيه واللي مخليني كويسة إنه بيجيني كل يوم يطمن عليا بمجرد ما اشوفه بحس إن سيف قدامي وهو اللي مصبرني على فراقه
قرأت ما دونته وادمعت عيناها بتأثر و وشفقة على هذه المرأة التي شقيت ألم فراق لحسن وزين عقبالك هتفت رفيف وهي تبادلها نفس فسمات وجهها المشرقة
آمين أنا وشفق يارب
ارتدت رداء بسيط من الألوان الغامقة ولفت حجابها ببساطة أيضا فوق شعرها دون أن تضع أي مساحيق جمال ثم توجهت نحو نافذتها ونظرت منها فتجده يقف مستندا على السيارة وينظر لساعة يده متفقدا الوقت ثم رفع نظره للأعلى فتراجعت هي للخلف فورا بفزع وامسكت بهاتفها تجري اتصال بجارتهم المقربة التي تقارب أمها في السن تطلب منها أن ترافق والدتها قليلا حتى تعود من الزفاف ففعلت هي على الفور وبعد دقائق أتت لهم فودعت شفق أمها وذهبت بصحبة رفيف وصعدت بالمقعد الخلفي في السيارة بينما استقلت الأخت بجانب أخيها في الأمام !! ...
ردهة طويلة والبساط الأحمر على الأرض من بداية الردهة لنهايتها وكانوا قد تأخروا على عقد القرآن والجميع ينتظرهم حتى يبدأو فسبقها كرم ورفيف للداخل التي كانت تتلفت برأسها لها طالبة منها الإسراع وبقيت هي تسير بهدوء وتتلفت حولها تحدق في هذه الردهة الفخمة والملوكية إن كانت هذه الردهة فما حال الباقي .. لحقت بهم ثم وقفت بعيدا تشاهد مراسم عقد القرآن لكل من حسن وزين والذي ما إن انتهى ارتفعت نبرة المأذون وهو يقول بارك الله لكم وبارك عليكم وجميع بينكم في خير فانطلقت التهئنات من الجميع وكانت هي تتابع ما يحدث بابتسامة بسيطة حتى وجدت رفيف تسحبها معها وجلسوا جميعهم على طاولة واحدة .
وضع حسن كلتا يديه حول خصرها وهي بدورها لفت ذراعيها حول عنقه يرقصون على الحان اغنية قامت رفيف باختيارها وتطالعه يسر بابتسامة متسعة بها شيء من الثقة ليتلفت هو حوله ثم يقترب من أذنها ويهمس ساخرا
افرحي واضحكي براحتك عشان لما نخلص من الفرح المستفز ده ونروح البيت
معتقدش إني هشوف الابتسامة دي على وشك تاني
لم تؤثر بها كلماته الټهديدية والشرانية بل بالعكس زادتها حماس وزادت ابتسامتها اتساعا وهي تجيبه بدورها في أذنه هامسة بثقة تامة
متقدرش تعمل حاجة وأنا بقول منستعجلش ونشوف النتيجة هتكون في صالح مين في النهاية
رأت عيناه التي تحولت إلى جمرة نيران وقسمات وجهه الملتهبة وحمراء كالدم وهو يصر على أسنانه فتوقعت ما يدور في ذهنه وما يود فعله بها بهذه اللحظة لتعود وتهمس مجددا في أذنه ببرود أثار براكينه التي على وشك الانفجار
ابتسم يابيبي عشان الناس مينفعش كدا !!
ثم يقترب هو ويهتف متوعدا لها بنظرة مخيفة
وحياة أمي يا يسر لاوريكي اللي ميقدرش يعمل حاجة ده بس نوصل البيت
الآن الخطړ أشد بعد إن أصبحت زوجته تحاول توقع فعله إن عرف بمخططها الدنىء للزواج منه الذي لا يحقق سوى مصالحها الشخصية الأنانية كيف ياترى سيتقبل الأمر هل سيسامحها ويتغاطي عن الأمر أم أنه هو الذي سينهي كل شيء بينهم ويطلقها .. ولكنها تقسم له ألف مرة أنها حاولت مرارا وتكرارا أن تبتعد ولا تعرف ما الذي يمنعها من محادثته إلى أن انتهى بها المطاف زوجة له عليها واجبات ولها حقوق ومن أول واجباتها الأخلاص له ولكن كيف وهي حتى الآن لم تتخلص وتتمكن من نزع ذلك العشق المدنس من قلبها . أما هو فكان في ذروة سعادته يشعر بقلبه يتراقص فرحا فهي لا تدري ما مدى الفوضى التي صنعتها بداخله منذ أول لقاء بينهم
وفي شهر واحد بعثرته أكثر واسقطته في وحل عميق والآن فقط أعادت ترتيب قلبه الفوضوي حين باتت زوجة له وهذا يعني لا حدود في المعاملة لا حذر لا خوف من ارتكاب ذنوب لا حرج في معانقتها وامطارها بوابل من كلمات العشق وستكون حلاله في كل شيء ولكن للأسف فمازالت حتى الآن بعض الحدود قائمة إلى حين زفافهم ودخولها منزله وهنا
تنقشع كل الحواجز وتزول جميع الحدود ! .
لاحظ شرودها لدرجة أنها لم تلاحظ توقف السيارة ووصولهم فهتف متساءلا برفق
ملاذ إنتي كويسة !
انتفضت على أثر صوته والتفتت له فورا راسمة ابتسامة رقيقة على شفتيها ليكمل هو ببساطة
يلا وصلنا انزلي
اماءت لها بالإيجاب وفتحت الباب ثم ترجلت ورفعت
نظرها لأعلى تتطلع لمبنى الشركة الضخم ثم التفتت له برأسها مغمغمة في استغراب
إنت ليه جايبني الشركة
احتضن كفها الرقيق بين كفه هاتفا في مشاكسة جميلة
قولتلك مفاجأة .. يلا
قاومت الشعور الغريب الذي راودها بمجرد لمسته ليدها وسارت معه ناحية الباب بدون أن تلفظ ببنت شفة فرأت ابتسامة الحراس على الباب الرئيسي بمجرد رؤيته وسارعوا في فتح الباب لهم وقادت هي خطواتها معه للداخل ثم استقلوا بالمصعد الكهربائي ووصلوا للطابق الأخير ومازالت مستمرة في السير معه وهي تتلفت حولها في خوف من الظلام الذي يعم أركان الشركة بأكملها ولا تستطيع حتى رؤية كل شيء بوضوح فغمغمت في نظرات مرتعدة
زين المكان ضلمة أوي أنا بخاف من الضلمة .. إنت جايبني هنا ليه
الخائڤة وإخبارها من خلاله أنه معها فلعنت نفسها بأنها تفوهت بهذه الكلمات ووضعت نفسها في هذا الوضع المحرج وأكملت السير معه بصمت حتى توقفوا أمام باب إحدى الغرف وابتعد هو عنها ثم أخرج المفاتيح الخاصة به من جيبه ووضع المفتاح المخصص لهذا الباب ثم لفه عدة مرات وبعدها انفتح ودخل هو أولا ثم هي خلفه فتلفتت حولها تحاول رؤية أي شيء ولكن الظلام كان أشدة من أن يساعدها على الرؤية وحين لم تشعر به بجوارها تلفتت حولها بارتعاد حتى سكنت روحها المرتعدة لما انفتح الضوء وتجولت بنظرها في أرجاء الغرفة التي هي عبارة عن مكتبة صغيرة جميع حوائطها ممتلئة بالكتب فتحركت هي نحو أحدهم تتلمسها بابتسامة منذهلة ثم استدارت حول نفسها تحدق في كل هذه الكتب بانبهار ولكن صوته الدافىء من خلفها جعلها تلتفت له فورا وتستمع لما يقوله وابتسامتها لا تزال على شفتيها
أنا عرفت من إسلام إنك من عشاق القراءة والكتب فقولت أجيبك تشوفي ده وتعرفي إنك مش لوحدك اللي مچنونة كتب والأوضة اللي في بيتنا اللي قولتلك محدش يفتحها لما تروحوا هناك إنتي ومامتك وأهلك دي ناوي أعملها زي دي بس نخلص من الحجات الأهم الأول وبعدين إنتي تعمليها على ذوقك وتختاري الوانها والخشب وكل حاجة
فغرت شفتيها وعيناها پصدمة ورمشت عدة مرات بعدم تصديق ثم خرج صوتها المنذهل فورأى عيناها التي تضحك بدلا عن شفتيها
بتتكلم جد هتبقى عندنا اوضة في البيت زي دي
كان صمته وابتسامته إجابة توكد لها سؤالها فوضعت كفها على فمها تكتم ضحكتها التي انطلقت من فرط سعادتها بما أخبرها به للتو وبعد ثواني تهتف من بين ضحكاتها بعفوية لما تتحدث بها معه من قبل
إنت كدا هتلاقيني معتكفة في الأوضة دي اليوم كله !!
أجابها مشاكسا بنظرة
اربكتها كثيرا
هعتكف معاكي !
تلاشت ابتسامتها تدريجيا من نظرته وحاولت الفرار منه عن طريق تجولها في جميع أركان الغرفة تتفحص كل الأرفف المقسمة بانتظام إلى قسم يحوي كتب الدين والسيرة النبوية وإلى قسم الفلسفة وعلم النفس وإلى قسم العلوم البيئية المختلفة وغيره كثيرا من الأقسام ولكنها توقفت حين رأت القسم الذي يضم كتب باللغة الإنجليزية فالتفتت له برأسها وقالت باسمة
وبتقرى English كمان !!
ضحك بخفة وأردف بخفوت يسرد لها قصة هذه الغرفة
مكنتش بحب آجي الشركة هنا أبدا كان عندي حاولي عشرين سنة وأنا من صغرى بحب الكتب فبابا الله يرحمه عشان يحببني في الشغل وإني آجي هنا عملي المكتبة دي ومن وقتها وأنا مبقتش اتأخر على الشركة يوم واحد ولغاية دلوقتي بخلص الشغل
متابعة القراءة